لزوم مالايلزم

الفصل الأول
                  
الظــــالمــــــون
makhtout
لزوم مالايلزم
1 – إن الحديث عن ” العروبة والاسلام ” ليس حديثاً عن كل من الاسلام والعروبة بل هو حديث عن العلاقة بينهما . فهل يحتاج الشعب العربي ، في هذة المرحلة من تاريخه ، إلى معرفة العلاقة بين العروبة والاسلام ليحل مشكلات تحرره وتقدمه ؟ هل يقف الشعب العربي ، في هذه المرحلة من تاريخه ، موقف الاختيار الملزم بين العروبة والاسلام ليدافع عن حرية أمته ووحدتها وتقدمها ؟ … هل تلزمه العروبة بغير مايلزمه به الاسلام ، فعليه أن يختار فيما بينهما لتحرر وطناً ومواطناً ؟ … أبداً إنه شعب معتدى عليه من خارجه ، اغتصاباً واحتلالا وهيمنة وتبعية . ومعتدى عليه من داخله ، قهرا وظلما واذلالا واستغلالا .
فإن هو استجاب لما تلزمه به العروبة ، ولو لم يع من العروبة إلا انها انتماء إلى احياء من البشر كفته أدنى قوانين الحركة . إن كل الكائنات الحية مسلحة بقانون ” الفعل المنعكس الشرطي ” للدفاع عن ذواتها إذا مأحاط بذواتها الخطر ؛ تردَ الفعل حتى لولم تكن فاعلة . فما بال العربي تكاد المخاطر المحيطة به أن تعصف بوجوده ذاته . ومابال الانسان العربي ، وهو المسلَح ، دون الكائنات جميعاً ، بقانون الجدل الذي يملك به المقدرة على إدراك التناقض بين واقعه وحاجته ، ويعرف به اسباب حل هذا التناقض ، ويستطيع به أن يجسد بعمله في الواقع مايوقف به معاناته ويفرض به ارادته . فإن وعى العروبة انتماء إلى أمته لعرف معرفة اليقين ان التناقض الاساسي بين واقعه وحاجته يتمثل في أن ليس كل ماهو متاح في أمته من أسباب التحرر والتقدم متاحاً له ليتحرر ويتقدم ، لأن العدوان الخارجي يسلبه إمكانات مادية وبشرية هو صاحبها بحكم أنها إمكانات أمته ، فيحول دون أن يطَور حياته بما هو ممكن ومتاح لاأكثر ولاأقل ، ولأن العدوان الداخلي يسلبه القدر الأكبر مما أفلت من العدوان الخارجي فيستأثر به من دونه احتكارا واستغلالا ، ثم يفرض عليه تلك القسمة الضيزى بالقهر والظلم والاذلال ، ويحول دون ثورته بما يبقيه عليه من جهل وفقر ومرض فيبقيه عاجزاً عن استرداد امكانات مادية وبشرية هو صاحبها بحكم أنها إمكانات أمته فلا يستطيع أن يطور حياته بماهو ممكن ومتاح ، لاأكثر ولاأقل . وإنه ليعرف معرفة اليقين ان العدوان الخارجي والعدوان الداخلي حليفان عليه يحقق كل منهما بعدوانه مايمكَن الآخر من العدوان ، ولو لم يكونا متحالفين . فإن كان أكثروعياً لوعى دلالة الدروس الصارمة التي يتلقاها كل يوم من أحداث عصره ، لعرف معرفة اليقين أن لاأمل ، لاأمل على الاطلاق ، في أن يتقدم حرية ورخاء بقدر ماهو متاح في أمته إلا بأن يواجه أعداءه جميعاً فيسترد حريته ويقيم وحدته القومية . وإنه ليتعلم كل يوم أن البشرية قد دخلت عصر الانتاج الكبير والدول العملاقة ، وان مصير الاقزام من الدول أن تحتمي ، راغبة أو كارهة ، بمظلة التبعية السياسية لدفع خطر العدوان ، والتبعية الاقتصادية لدفع غائلة الجوع ، وأن تدفع من حرية وطنها اثماناً باهظة لمن يحميها أو يغذيها . يحميها ولو من بطشه ذاته . ويغذيها ولو من ثروتها ذاتها . وإن بعض هذا ، وليس كله لقمين بأن يحدد للشعب العربي اعداءه بأسمائهم ودولهم ونظمهم ، وبأن يحفزه ويحرضه على سحقهم سحقاً ، إذ أن سحقهم سحقا هو الطريق الوحيد المفتوح إلى التحرر والوحدة والتقدم ثم الرخاء  .
أما إن استجاب الشعب العربي لما يلزمه به الاسلام فقد تلقى من الله أمراً صريحاً بالقتال ضد المعتدين : قال تعالى ( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه ) { البقرة : 194 } ، وقال : ( ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ) { النساء : 75 } . ثم قضى، سبحانه ، بأن من سكت على الظلم قد ظلم نفسه ، وأنذره بجهنم مع الظالمين أنفسهم . قال
( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم ؟ قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ) { النساء : 97 } . إنه سبحانه ، لايحرض على الهجرة ، بل يتحدى بها مماحكات الأذلاء . قبل الهجرة المقاومة . بكل حيلة وكل سبيل . قال تعالى مكملا نذيره : ( إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وكان الله عفواً غفورا) { النساء : 98 ،99 } .
ثم انه سبحانه ، قد حرَم السلبية والتواكل ، وانذر بأن شيئا من الحياة التي يكرهها الناس لن يتغير إلا إذا غيَر الناس مابأنفسهم . قال ( إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) { الرعد :11 } . وقال : ( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ) { هود : 117 } . وذهب في تحريض المظلومين على المقاومة الى حد أنه علَمهم أنه ، سبحانه ، يحب منهم المقاومة حتى لو كانت أداتها سيئة ، وإن مقاومة الظلم تبيح كل الوسائل وتطهرها مما يكون في طبيعتها من سوء . قال ( لايحب الله الحهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) {النساء : 148 } . ثم انه قد أخبر بأن الاعتذار عن التقصير فيما يجب ، بأن ثمة من ضلل المقصرين ، اعتذارغير مقبول . وانه لايقبل من أحد أن يتهم غيره بأنه قد أضله ليبرىء نفسه من الضلال . قال تعالى :
( كلما دخلت أمة لعنت أختها ، حتى إذا ادَاركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلَونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ، قال لكل ضعف ولكن لاتعلمون ) { الأعراف : 38 } . فدل على أن الغفلة التي تمكَن المضللين من ضحاياهم ذنب من ذنوب الضحايا انفسهم يضاف الى ماظلموا به أنفسهم ، فيضاعف لهم العذاب وأخيرا قضىبأن من قبل الذل كفر حين قضى بأن : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) { المنافقون : 8 } .
وإن بعض هذا وليس كله لقمين بأن يحدد للشعب العربي اعداءه باسمائهم ودولهم ونظمهم ، وأن يحفزه ويحرضه على سحقهم سحقا ، إذ أن سحقهم سحقا هو الطريق الوحيد المفتوح إلى طاعة الله ورضوانه .
إذن ، لايقف الشعب العربي ، في هذه المرحلة من تاريخه ، موقف الاختيار الملزم بين العروبة والاسلام ليدافع عن أمته وحريته وتقدمه . يكفيه ايهما . أمَا هما معاففوق كفايته . ومع ذلك ، أو بالرغم من ذلك ، فإن الشعب العربي في حاجة الى الحديث عن العلاقة بين العروبة والاسلام .

أضف تعليق